في تصنيف التعليم العام بواسطة

كيف كانت علاقة الكاتب بالشجرة قبل تعرفه على العجوز ، يقول الكاتب : اشتريتها منذ سنوات بونساي ، جاوز عمرها السبعين، كما هو مدوّن في الشهادة الصادرة في بلد المنشأ طولها يتجاوز الخمسين سنتيمترًا بقليل أوراقها كثيفة، وغنية وداكنة الخضرة بالرغم من مرور السنوات، وبالرغم من انحناء جذعها، والنتوءات والأخاديد المحفورة في لحائها، فإنها لاتزال بصحة جيدة.

كيف كانت علاقة الكاتب بالشجرة قبل تعرفه على العجوز

أوليتها اهتمامًا غير عادي فعلاوة على ربّها وتشذيبها وتعريض أوراقها لأشعة الشمس بين الحين والآخر أصبحت أخاطبها، وأبوح لها بما يخالجني أصارحها بكل ما يدور في رأسي وكانت تستمع لي ولهمومي ولكنها مع الأسف لم تجبني قط !

كم بلدا طافت هذه البونساي ؟ وكم ميناء عبرت؟ وفي كم مشتل استقرت قبل أن تحتل إحدى زوايا غرفتي ؟ وكم حكاية سَمِعَتْ ؟ وكم سرًا يختفي في الخطوط الغائرة في جذعها ؟ وكم حدثا تاريخيا يمتد إلى عمق جذورها خلال السنوات السبعين التي عاشت ؟ كنت أتمنى أن تنطق، كنت متلهفا لسماع حكاياتها ومعرفة أسرارها، ولكن، لا لسان للبونساي.

بم وصف الكاتب كلام الرجل العجوز؟

يحتاج الإنسان منا إلى أذن تصغي له، ولكني أخذت ما يزيد عن كفايتي من إصغائها، وأتعبني فضولي لما وراء صمتها ، استمرت علاقتي بشجرتي على هذا النحو، أسقيها الماء مرة في الأسبوع، وأسقيها كل يوم، ما أفيض به من حکایات وتساؤلات، ويبقى عطشي بحاجة لمن يبله بالكلمات، إلى أن التقيته.. رجل في السبعين، يشبه شجرتي في كل شيء إلا صمتها، حجمه الصغير، والخطوط التي حفرها الزمن على وجهه، وشعره الكثيف، وهالة الهيبة التي تحيطه، كل هذه التفاصيل جعلت منه صورة عن شجرتي (البونساي)، بأغصانها وفروعها والنتوءات والأخاديد على لحائها وأوراقها الكثيفة الغنية داكنة الخضرة بالرغم من مرور الزمن، بجذورها التي امتصت الماء من أراض مختلفة، وبالأزمان التي عاصرتها.

أهملت شجرتي منذ تعرّفت إليه، أصبحت لا أتكلم بقدر ما أستمع إلى كلماته، لكلماته صور وروائح وأصوات وصدى، يسحرني حين يتكلم أدب .. علم... تاريخ .. أديان.. فلسفة)، يطير بي إلى أزمان مختلفة، يُعرفني إلى أشخاص كان قد عاصر هم رحلوا منذ زمن، تركوه ليبقى شاهدا على زمن، شخصيات كنت قد سمعت بها وقرأت عنها، يعيد لها الحياة، ينفخ فيها من روحه كلما ذكر أسماءها، لأجدها ماثلة أمامي حاملة معها أزمانًا مضت، يتخذ وجهه ملامح مختلفة كلما تحدث عن زمن مختلف، ثم يعود إلى شبابه فجأة، يتحدث بصوته القديم، ثم تحتله ملامح طفل بنظرة حزينة، وابتسامة مغتصبة إذا ما حكى عن طفولته البائسة، ولكنه لا يلبث طويلًا حتى ينفجر ضاحكًا ساردًا موقفًا طريفا، كان هو بطله بشقاوة أيام المراهقة، ثم يلتزم الصمت فجأة، وينظر إلى الفراغ كأنه يتهجى كلمات خفية، أنظر إلى الفراغ كما ينظر، ولكنني لا أفهم لغة الفراغ التي يقرأ، ثم يأتيني صوته يبث في نفسي الهدوء بعد لحظات صمت، يقرأ بصوت مسموع ما خطه التاريخ على صفحات الذاكرة. سجل هذا الرجل، لا أملك إلا أن أفقد النطق في حضرته، مسافرا في عمق الزمن عبر سيرته، أعادلي توازني، يصب في ما يبل أرضي العطشى إلى أن أمتلئ وأعود إلى غرفتي، محملا بتلك الحكايات.

إجابتك

اسمك الذي سيظهر (اختياري):
نحن نحرص على خصوصيتك: هذا العنوان البريدي لن يتم استخدامه لغير إرسال التنبيهات.

1 إجابة واحدة

0 تصويتات
بواسطة
 
أفضل إجابة

دلل من النص تغير العجوز من حال إلى حال؟ 

مــا الرابط الأقوى الــذي يربط الأبناء بالآبــاء والأجداد من وجهة نظرك؟ ولماذا؟

أمام شجرتي المهملة، أحكي لها ما سمعت أذكرها بماضيها.. تورق أغصانها، بعد أن أهملتها. توحد الاثنان في ذاتي مع مرور الأيام، شجرة (البونساي) والرجل العجوز، واستحالا مخلوقا أسطوريا، نصفه شجرة ونصفه الآخر إنسان، حتى أصبحت لا أعرف هل أناديه (بونساي) أم أخاطبها باسمه؟!.

اسئلة متعلقة

0 إجابة
0 إجابة
...