علل بناء العصافير التي تعيش في المناطق القاحلة أعشاشها وسط الأحراش ، لابد أن تكونوا رأيتم أعشاش العصافير التي تبنيها إما على الأشجار، أو في شقوق جذوعها، أو في شرف منازلكم، وتلك ليست سوى بعض النماذج للأنواع التي تعرفونها من العصافير، ولكن هناك أنواعًا لا تحصى من العصافير وأشكالاً كثيرة جدًا مما تصنعه من الأعشاش، وهو أمر يدعو فعلًا إلى التفكير فيه.
علام يدل بناء العصافير أعشاشها وفقـًا لتخطيط معيَّن؟
تبني جميع العصافير أعشاشها بشكل متناسب مع طبيعة البيئة التي توجد فيها، وكمثال على ذلك: العصافير التي تعيش على سواحل البحر ، فهذه الأنواع من العصافير تبني أعشاشها على سطح الماء على شكل لا يجعلها تغرق، وكل ما يستعمل من مواد، وكذلك الشكل الذي يُبنى به العش يكون مصما تصميما خاصا.
وعلى هذا النحو فعندما يرتفع مستوى الماء فإن العشّ وما بداخله من الفراخ لا يتضررون. وهذه الكائنات مفطورة على هذه الخصائص منذ اللحظة التي تظهر فيها دون أن تتلقى أي تعليم في هذا الأمر، ولا يمكن بحال من الأحوال أن تتعلَّم العصافير هذه التقنيات مع مرور الزمن، فحتى إذا افترضنا أن العصافير جرَّبتُ في البداية فإنها ستغرقُ قبل أن تتعلَّم أي شيء، ثم إن هذا الأمر لا يمكن أن يحدث على الإطلاق؛ لأن العصافير - ومنذ اللحظة الأولى التي توجد فيها على ساحل البحر - تبدأ في إنجاز هذه الأعمال، وكلُّ عصفور يصنع عشَّة بالشكل نفسه الذي يصنعه العصفور الآخر. أما بعض العصافير التي تعيش في حقول القصب، فهي تبني جدران أعشاشها وتجعلها على ارتفاع عالٍ؛ وذلك حتى لا يسقط البيضُ بفعل هبوب الرياح، وهذا العصفور الذي بنى عشه بهذه العناية، كيف عرف أنَّ البيضَ ينكسر عند سقوطه ؟ فنحن نلاحظ أن العصفور يتصرف تصرفا غاية في التعقل والتدبير. وهناك نوع آخر من العصافير يعيش في المناطق القاحلة، وهذا العصفور لا يبني عشه في العراء بل يبنيه وسط الأحراش؛ لأن درجة الحرارة في هذه الأماكن تكون أقل بعشر درجات، وأغلبنا لا يعرفُ أنَّ هناك فرقا في الحرارة بين التراب والأحراش، ولكن هذه العصافير تعرفُ ذلك، فتبني أعشاشها في الأماكن الأقل حرارة حتى تحمي نفسها وتحمي فراخها من الحر الشديد، وتقوم الطيور ببناء أعشاشها بشكل متين للغاية، وتختار لهذه الأعشاش أماكن خاصة تتوفّر فيها الحماية. هل خطر ببالكم يوما أن تفكروا كيف استطاعت عصافير بهذا الصغر ولا تمتلك عقلاً ولا ذكاءً أن تقوم بهذه الحسابات؟ إن تصرفات هذه العصافير شبيهة بأعمال مهندس قضى أعوامًا كثيرة في تعلم هذه المواضيع فعند بناء بيت ما يحتاج المهندس أن يحسب حسابًا دقيقاً معايير سلامة البيت ومقدار المواد المستعملة في البناء، ثم يبدأ بعد ذلك في الإنشاء. والعصافير أيضًا تبني أعشاشها وفقا لتخطيط معيَّن، ولكنها لا تحتاج إلى أية آلات ولا إلى أي تعليم في هذا الأمر، فهي تفعل كل هذه الأشياء بفضل ما ألهمها الله إياها من علم، فهذه العصافير وما تقوم به من أعمال دليل على خلق الله الكامل الذي لا نقص فيه. قال تعالى: ﴿ لَّهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ).